فصل: عَدَمُ عَدّ الْحَجّ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيّتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْس:

فِي الصّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ: أَنّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ قَدِمُوا عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ مِمّنْ الْقَوْمُ؟ فَقَالُوا: مِنْ رَبِيعَةَ. فَقَالَ مَرْحَبًا بِالْوَفْدِ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَك هَذَا الْحَيّ مِنْ كُفّارِ مُضَرَ وَإِنّا لَا نَصِلُ إلَيْك إلّا فِي شَهْرٍ حَرَامٍ فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نَأْخُذُ بِهِ وَنَأْمُرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا وَنَدْخُلُ بِهِ الْجَنّةَ فَقَالَ آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ آمُرُكُمْ بِالْإِيمَانِ بِاَللّهِ وَحْدَهُ أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاَللّهِ؟ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ وَإِقَامُ الصّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُعْطُوا الْخُمُسَ مِنْ الْمَغْنَمِ. وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ الدّبّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنّقِيرِ وَالْمُزَفّتِ فَاحْفَظُوهُنّ وَادْعُوا إلَيْهِنّ مَنْ وَرَاءَكُمْ زَادَ مُسْلِمٌ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا عِلْمُكَ بِالنّقِيرِ؟ قَالَ بَلَى جِذْعٌ تَنْقُرُونَهُ ثُمّ تُلْقُونَ فِيهِ مِنْ التّمْرِ ثُمّ تَصُبّونَ عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتّى يَغْلِي فَإِذَا سَكَنَ شَرِبْتُمُوهُ فَعَسَى أَحَدُكُمْ أَنْ يَضْرِبَ ابْنَ عَمّهِ بِالسّيْفِ وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ بِهِ ضَرْبَةٌ كَذَلِكَ. قَالَ وَكُنْت أَخْبَؤُهَا حَيَاءً مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالُوا: فَفِيمَ نَشْرَبُ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ اشْرَبُوا فِي أَسْقِيَةِ الْأَدَمِ الّتِي يُلَاثُ عَلَى أَفْوَاهِهَا. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَرْضَنَا كَثِيرَةُ الْجِرْذَانِ لَا تَبْقَى فِيهَا أَسْقِيَةُ الْأُدُمِ قَالَ وَإِنْ أَكَلَهَا الْجِرْذَانُ مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَشَجّ عَبْدِ الْقَيْسِ إنّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبّهُمَا اللّهُ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْجَارُودُ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْمُعَلّى وَكَانَ نَصْرَانِيّا فَجَاءَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي عَلَى دِينٍ وَإِنّي تَارِكٌ دِينِي لِدِينِك فَتَضْمَنُ لِي بِمَا فِيهِ؟ قَالَ نَعَمْ أَنَا ضَامِنٌ لِذَلِكَ إنّ الّذِي أَدْعُوكَ إلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ الّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ وَأَسْلَمَ أَصْحَابُهُ ثُمّ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ احْمِلْنَا. فَقَالَ وَاَللّهِ مَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بِلَادِنَا ضَوَالّ مِنْ ضَوَالّ النّاسِ أَفَنَتَبَلّغُ عَلَيْهَا؟ قَالَ لَا تِلْكَ حَرَقُ النّار

.فصل الْإِيمَانُ بِاَللّهِ يَتَضَمّنُ خِصَالًا أُخْرَى مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ:

الْإِيمَانَ بِاَللّهِ هُوَ مَجْمُوعُ هَذِهِ الْخِصَالِ مِنْ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ كَمَا عَلَى ذَلِكَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالتّابِعُونَ وَتَابِعُوهُمْ كُلّهُمْ ذَكَرَهُ الشّافِعِيّ فِي الْمَبْسُوطِ وَعَلَى ذَلِكَ مَا يُقَارِبُ مِائَةَ دَلِيلٍ مِنْ الْكِتَابِ وَالسّنّةِ.

.عَدَمُ عَدّ الْحَجّ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيّتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ:

وَفِيهَا: أَنّهُ لَمْ يَعُدْ الْحَجّ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ وَكَانَ قُدُومُهُمْ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَهَذَا أَحَدُ مَا يُحْتَجّ بِهِ عَلَى أَنّ الْحَجّ لَمْ يَكُنْ فُرِضَ بَعْدُ وَأَنّهُ إنّمَا فُرِضَ فِي الْعَاشِرَةِ وَلَوْ كَانَ فُرِضَ لَعَدّهُ مِنْ الْإِيمَانِ كَمَا عَدّ الصّوْمَ وَالصّلَاةَ وَالزّكَاةَ.

.لَا يُكْرَهُ قَوْلُ رَمَضَانُ لِلشّهْرِ:

وَفِيهَا: أَنّهُ لَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ رَمَضَانُ لِلشّهْرِ خِلَافًا لِمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ وَقَالَ لَا يُقَالُ إلّا شَهْرُ رَمَضَانَ. وَفِي الصّحِيحَيْنِ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِه وَفِيهَا: وُجُوبُ أَدَاءِ الْخُمُسِ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَأَنّهُ مِنْ الْإِيمَانِ.

.النّهْيُ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الْأَوْعِيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَبَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ:

وَفِيهَا: النّهْيُ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ وَهَلْ تَحْرِيمُهُ بَاقٍ أَوْ مَنْسُوخٌ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى نَسْخِهِ بِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ الّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ فِيهِ وَكُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ الْأَوْعِيَةِ فَانْتَبِذُوا فِيمَا بَدَا لَكُمْ وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا وَمَنْ قَالَ بِإِحْكَامِ أَحَادِيثِ النّهْيِ وَأَنّهَا غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ قَالَ هِيَ أَحَادِيثُ تَكَادُ تَبْلُغُ التّوَاتُرَ فِي تَعَدّدِهَا وَكَثْرَةِ طُرُقِهَا وَحَدِيثُ الْإِبَاحَةِ فَرْدٌ فَلَا يَبْلُغُ مُقَاوَمَتَهَا وَسِرّ الْمَسْأَلَةِ أَنّ النّهْيَ عَنْ الْأَوْعِيَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ بَابِ سَدّ الذّرَائِعِ وَقِيلَ بَلْ النّهْيُ عَنْهَا لِصَلَابَتِهَا وَأَنّ الشّرَابَ يُسْكِرُ فِيهَا وَلَا يُعْلَمُ بِهِ بِخِلَافِ الظّرُوفِ غَيْرِ الْمُزَفّتَةِ فَإِنّ الشّرَابَ مَتَى غَلَا فِيهَا وَأَسْكَرَ انْشَقّتْ فَيُعْلَمُ بِأَنّهُ مُسْكِرٌ فَعَلَى هَذِهِ الْعِلّةِ يَكُونُ الِانْتِبَاذُ فِي الْحِجَارَةِ وَالصّفْرِ أَوْلَى بِالتّحْرِيمِ وَعَلَى الْأَوّلِ لَا يَحْرُمُ إذْ لَا يُسْرِعُ الْإِسْكَارُ إلَيْهِ فِيهَا كَإِسْرَاعِهِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ وَعَلَى كِلَا الْعِلّتَيْنِ فَهُوَ مِنْ بَابِ سَدّ الذّرِيعَةِ كَالنّهْيِ أَوّلًا عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ سَدًا لِذَرِيعَةِ الشّرْكِ فَلَمّا اسْتَقَرّ التّوْحِيدُ فِي نُفُوسِهِمْ وَقَوِيَ عِنْدَهُمْ أَذِنَ فِي زِيَارَتهَا غَيْرَ أَنْ لَا يَقُولُوا هَجْرًا. وَهَكَذَا قَدْ يُقَالُ فِي الِانْتِبَاذِ فِي هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ إنّهُ فَطَمَهُمْ عَنْ الْمُسْكِرِ وَأَوْعِيَتِهِ وَسَدّ الذّرِيعَةَ إلَيْهِ إذْ كَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِشُرْبِهِ فَلَمّا اسْتَقَرّ تَحْرِيمُهُ عِنْدَهُمْ وَاطْمَأَنّتْ إلَيْهِ نُفُوسُهُمْ أَبَاحَ لَهُمْ الْأَوْعِيَةَ كُلّهَا غَيْرَ أَنْ لَا يَشْرَبُوا مُسْكِرًا فَهَذَا فِقْهُ الْمَسْأَلَةِ وَسِرّهَا.

.مَدْحُ الْحُلْمِ وَالْأَنَاةِ:

وَفِيهَا: مَدْحُ صِفَتَيْ الْحِلْمِ وَالْأَنَاةِ وَأَنّ اللّهَ يُحِبّهُمَا وَضِدّهُمَا الطّيْشُ وَالْعَجَلَةُ وَهُمَا خُلُقَانِ مَذْمُومَانِ مُفْسِدَانِ لِلْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ.

.قَدْ يَحْصُلُ الْخُلُقُ بِالتّخَلّقِ:

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنّ اللّهَ يُحِبّ مِنْ عَبْدِهِ مَا جَبَلَهُ عَلَيْهِ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ كَالذّكَاءِ وَالشّجَاعَةِ وَالْحِلْمِ.

.اللّهُ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَأَخْلَاقِهِمْ:

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنّ الْخُلُقَ قَدْ يَحْصُلُ بِالتّخَلّقِ وَالتّكَلّفِ لِقَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ خُلُقَيْنِ تَخَلّقْتُ بِهِمَا أَوْ جَبَلَنِي اللّهُ عَلَيْهِمَا؟ فَقَالَ بَلْ جُبِلْت عَلَيْهِمَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنّهُ سُبْحَانَهُ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَأَخْلَاقِهِمْ كَمَا هُوَ خَالِقُ ذَوَاتِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ فَالْعَبْدُ كُلّهُ مَخْلُوقٌ ذَاتُهُ وَصِفَاتُهُ وَأَفْعَالُهُ وَمَنْ أَخْرَجَ أَفْعَالَهُ عَنْ خُلُقِ اللّهِ فَقَدْ جَعَلَ فِيهِ خَالِقًا مَعَ اللّهِ وَلِهَذَا شَبّهَ السّلَفُ الْقَدَرِيّةَ النّفَاةَ بِالْمَجُوسِ وَقَالُوا: هُمْ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمّةِ صَحّ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ.

.إثْبَاتُ الْجَبْلِ لِلّهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَبْرِ:

جَبَلَ الْأَشَجّ عَلَى الْحِلْمِ وَالْأَنَاةِ وَهُمَا فِعْلَانِ نَاشِئَانِ عَنْ خُلُقَيْنِ فِي النّفْسِ فَهُوَ سُبْحَانَهُ الّذِي جَبَلَ الْعَبْدَ عَلَى أَخْلَاقِهِ وَأَفْعَالِهِ وَلِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمّةِ السّلَفِ نَقُولُ إنّ اللّهَ جَبَلَ الْعِبَادَ عَلَى أَعْمَالِهِمْ وَلَا نَقُولُ جَبَرَهُمْ عَلَيْهَا وَهَذَا مِنْ كَمَالِ عِلْمِ الْأَئِمّةِ وَدَقِيقِ نَظَرِهِمْ فَإِنّ الْجَبْرَ أَنْ يُحْمَلَ الْعَبْدُ عَلَى خِلَافِ مُرَادِهِ كَجَبْرِ الْبِكْرِ الصّغِيرَةِ عَلَى النّكَاحِ وَجَبْرِ الْحَاكِمِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقّ عَلَى أَدَائِهِ وَاللّهُ سُبْحَانَهُ أَقْدَرُ مِنْ أَنْ يَجْبُرَ عَبْدَهُ بِهَذَا الْمَعْنَى وَلَكِنّهُ يَجْبُلُهُ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ الرّبّ بِإِرَادَةِ عَبْدِهِ وَاخْتِيَارِهِ وَمَشِيئَتِهِ فَهَذَا لَوْنٌ وَالْجَبْرُ لَوْنٌ.

.لَا يَجُوزُ لِلرّجُلِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالضّالّةِ الّتِي لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا:

وَفِيهَا: أَنّ الرّجُلَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالضّالّةِ الّتِي لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا كَالْإِبِلِ فَإِنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يُجَوّزْ لِلْجَارُودِ رُكُوبَ الْإِبِلِ الضّالّةِ وَقَالَ ضَالّةُ الْمُسْلِمِ حَرَقُ النّار وَذَلِكَ لِأَنّهُ إنّمَا أَمَرَ بِتَرْكِهَا وَأَنْ لَا يَلْتَقِطَهَا حِفْظًا عَلَى رَبّهَا حَتّى يَجِدَهَا إذَا طَلَبَهَا فَلَوْ جَوّزَ لَهُ رُكُوبَهَا وَالِانْتِفَاعَ بِهَا لَأَفْضَى إلَى أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَيْهَا رَبّهَا وَأَيْضًا تَطْمَعُ فِيهَا النّفُوسُ وَتَتَمَلّكُهَا فَمَنَعَ الشّارِعُ مِنْ ذَلِكَ.

.فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ بَنِي حَنِيفَةَ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفْدُ بَنِي حَنِيفَةَ فِيهِمْ مُسَيْلِمَةُ الْكَذّابُ وَكَانَ مَنْزِلُهُمْ فِي دَارِ امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي النّجّارِ فَأَتَوْا بِمُسَيْلِمَةَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُسْتَرُ بِالثّيَابِ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسٌ مَعَ أَصْحَابِهِ فِي يَدِهِ عَسِيبٌ مِنْ سَعَفِ النّخْلِ فَلَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ يَسْتُرُونَهُ بِالثّيَابِ كَلّمَهُ وَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْ سَأَلْتنِي هَذَا الْعَسِيبَ الّذِي فِي يَدِي مَا أَعْطَيْتُك قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ لِي شَيْخٌ مَنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ إنّ حَدِيثَهُ كَانَ عَلَى غَيْرِ هَذَا زَعَمَ أَنّ وَفْدَ بَنِي حَنِيفَةَ أَتَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخَلّفُوا مُسَيْلِمَةَ فِي رِحَالِهِمْ فَلَمّا أَسْلَمُوا ذَكَرُوا لَهُ مَكَانَهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا قَدْ خَلّفْنَا صَاحِبًا فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَا أَمَرَ بِهِ لِلْقَوْمِ وَقَالَ أَمَا إنّهُ لَيْسَ بِشَرّكُمْ مَكَانًا يَعْنِي حِفْظَهُ ضَيْعَةَ أَصْحَابِهِ وَذَلِكَ الّذِي يُرِيدُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. ثُمّ انْصَرَفُوا وَجَاءُوهُ بِاَلّذِي أَعْطَاهُ فَلَمّا قَدِمُوا الْيَمَامَةَ ارْتَدّ عَدُوّ اللّهِ وَتَنَبّأَ وَقَالَ إنّي أُشْرِكْتُ فِي الْأَمْرِ مَعَهُ أَلَمْ يَقُلْ لَكُمْ حِينَ ذَكَرْتُمُونِي لَهُ أَمَا إنّهُ لَيْسَ بِشَرّكُمْ مَكَانًا وَمَا ذَاكَ إلّا لِمَا كَانَ يَعْلَمُ أَنّي قَدْ أُشْرِكْت فِي الْأَمْرِ مَعَهُ ثُمّ جَعَلَ يَسْجَعُ السّجَعَاتِ فَيَقُولُ لَهُمْ فِيمَا يَقُولُ مُضَاهَاةً لِلْقُرْآنِ لَقَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَى الْحُبْلَى أَخْرَجَ مِنْهَا نَسَمَةً تَسْعَى وَمِنْ بَيْنِ صِفَاقٍ وَحَشَا. وَوَضَعَ عَنْهُمْ الصّلَاةَ وَأَحَلّ لَهُمْ الْخَمْرَ وَالزّنَى وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَشْهَدُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ نَبِيّ فَأَصْفَقَتْ مَعَهُ بَنُو حَنِيفَةَ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ كَتَبَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مُسَيْلِمَةَ رَسُولِ اللّهِ إلَى مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ أَمّا بَعْدُ فَإِنّي أُشْرِكْتُ فِي الْأَمْرِ مَعَك وَإِنّ لَنَا نِصْفَ الْأَمْرِ وَلِقُرَيْشٍ نِصْفَ الْأَمْرِ وَلَيْسَ قُرَيْشٌ قَوْمًا يَعْدِلُونَ فَقَدِمَ عَلَيْهِ رَسُولُهُ بِهَذَا الْكِتَابِ فَكَتَبَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ إلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتّبَعَ الْهُدَى. أَمّا بَعْدُ فَإِنّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي آخِرِ سَنَةَ عَشْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي سَعْدُ بْنُ طَارِقٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ جَاءَهُ رَسُولَا مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ بِكِتَابِهِ يَقُولُ لَهُمَا: وَأَنْتُمَا تَقُولَانِ بِمِثْلِ مَا يَقُولُ؟ قَالَا: نَعَمْ. فَقَالَ أَمَا وَاَللّهِ لَوْلَا أَنّ الرّسُلَ لَا تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أَعْنَاقَكُمَا مُسْنَدِ أَبِي دَاوُدَ الطّيَالِسِيّ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ قَالَ جَاءَ ابْنُ النّوّاحَةِ وَابْنُ أَثَالٍ رَسُولَيْنِ لِمُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللّهِ تَشْهَدَانِ أَنّي رَسُولُ اللّهِ؟ فَقَالَا: نَشْهَدُ أَنّ مُسَيْلِمَةَ رَسُولُ اللّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ آمَنْتُ بِاَللّهِ وَرَسُولِهِ وَلَوْ كُنْتُ قَاتِلًا رَسُولًا لَقَتَلْتُكُمَا قَالَ عَبْدُ اللّهِ فَمَضَتْ السّنّةُ بِأَنّ الرّسُلَ لَا تُقْتَلُ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيّ قَالَ لَمّا بُعِثَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَمِعْنَا بِهِ لَحِقْنَا بِمُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ فَلَحِقْنَا بِالنّارِ وَكُنّا نَعْبُدُ الْحَجَرَ فِي الْجَاهِلِيّةِ فَإِذَا وَجَدْنَا حَجَرًا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ أَلْقَيْنَا ذَلِكَ وَأَخَذْنَاهُ فَإِذَا لَمْ نَجِدْ حَجَرًا جَمَعْنَا جُثْوَةً مِنْ تُرَابٍ ثُمّ جِئْنَا بِالشّاةِ فَحَلَبْنَاهَا عَلَيْهِ ثُمّ طُفْنَا بِهِ وَكُنّا إذَا دَخَلَ رَجَبٌ قُلْنَا: جَاءَ مُنْصِلُ الْأَسِنّةِ فَلَا نَدَعُ رُمْحًا فِيهِ حَدِيدَةٌ وَلَا سَهْمًا فِيهِ حَدِيدَةٌ إلّا نَزَعْنَاهَا وَأَلْقَيْنَاهَا. قُلْت: وَفِي الصّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ فَجَعَلَ يَقُولُ إنْ جَعَلَ لِي مُحَمّدٌ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْته وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَأَقْبَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ وَفِي يَدِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قِطْعَةُ جَرِيدٍ حَتّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ إنْ سَأَلْتنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكهَا وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللّهِ فِيك وَلَئِنْ أَدْبَرْت لَيَعْقِرَنّك اللّهُ وَإِنّي أُرَاكَ الّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا أُرِيت وَهَذَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ يُجِيبُك عَنّي ثُمّ انْصَرَفَ. قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: فَسَأَلْتُ عَنْ قَوْلِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّك الّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا أُرِيت فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَيّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَأَهَمّنِي شَأْنُهُمَا فَأُوحِيَ إلَيّ فِي الْمَنَامِ أَنْ اُنْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا فَأَوّلْتُهُمَا كَذّابَيْنِ يَخْرُجَانِ مِنْ بَعْدِي فَهَذَانِ هُمَا أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيّ صَاحِبُ صَنْعَاءَ وَالْآخَرُ مُسَيْلِمَةُ الْكَذّابُ صَاحِبُ الْيَمَامَةِ ابْنِ إسْحَاقَ الْمُتَقَدّمِ. وَفِي الصّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إذَا أُتِيت بِخَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَ فِي يَدَيّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَكَبُرَا عَلَيّ وَأَهَمّانِي فَأُوحِيَ إلَيّ أَنْ اُنْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَذَهَبَا فَأَوّلْتُهُمَا الْكَذّابَيْنِ اللّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا صَاحِبَ صَنْعَاءَ وَصَاحِبَ الْيَمَامَةِ».

.فَصْلٌ فِي فِقْهِ هَذِهِ الْقِصّةِ:

فِيهَا: جَوَازُ مُكَاتَبَةِ الْإِمَامِ لِأَهْلِ الرّدّةِ إذَا كَانَ لَهُمْ شَوْكَةٌ وَيَكْتُبُ لَهُمْ وَلِإِخْوَانِهِمْ مِنْ الْكُفّارِ سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتّبَعَ الْهُدَى. وَمِنْهَا: أَنّ الرّسُولَ لَا يُقْتَلُ وَلَوْ كَانَ مُرْتَدّا هَذِهِ السّنّةُ. وَمِنْهَا: إنّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْتِيَ بِنَفْسِهِ إلَى مَنْ قَدِمَ يُرِيدُ لِقَاءَهُ مِنْ الْكُفّارِ. وَمِنْهَا: إنّ الْإِمَامَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُجِيبُ عَنْهُ أَهْلَ الِاعْتِرَاضِ وَالْعِنَادِ. وَمِنْهَا: تَوْكِيلُ الْعَالِمِ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنْ يَتَكَلّمَ عَنْهُ وَيُجِيبَ عَنْهُ. تَأْوِيلُ رُؤْيَا لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَنّ الصّدّيقَ يُحْبِطُ أَمْرَ مُسَيْلِمَةَ وَمِنْهَا: إنّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَكْبَرِ فَضَائِلِ الصّدّيقِ فَإِنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَفَخَ السّوَارَيْنِ بِرُوحِهِ فَطَارَا وَكَانَ الصّدّيقُ هُوَ ذَلِكَ الرّوحُ الّذِي نَفَخَ مُسَيْلِمَةَ وَأَطَارَهُ. قَالَ الشّاعِرُ فَقُلْتُ لَهُ ارْفَعْهَا إلَيْكَ فَأَحْيِهَا بِرُوحِك وَاقْتَتْهُ لَهَا قِيتَةً قَدْرًا.

.تَأْوِيلُ رُؤْيَا لِبَاسِ الْحُلِيّ لِلرّجُلِ وَذِكْرُ قِصَصٍ عَبّرَهَا الشّهَابُ الْعَابِرُ شَيْخُ الْمُصَنّفِ:

دَلّ لِبَاسُ الْحُلِيّ لِلرّجُلِ عَلَى نَكَدٍ يَلْحَقُهُ وَهَمّ يَنَالُهُ وَأَنْبَأَنِي أَبُو الْعَبّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ نِعْمَةَ بْنِ سُرُورٍ الْمَقْدِسِيّ الْمَعْرُوفُ بِالشّهَابِ الْعَابِر. قَالَ قَالَ لِي رَجُلٌ رَأَيْتُ فِي رِجْلِي خَلْخَالًا فَقُلْتُ لَهُ تَتَخَلْخَلُ رِجْلُك بِأَلَمٍ وَكَانَ كَذَلِكَ. وَقَالَ لِي آخَرُ رَأَيْت كَأَنّ فِي أَنْفِي حَلْقَةَ ذَهَبٍ وَفِيهَا حَبّ مَلِيحٌ أَحْمَرُ فَقُلْت لَهُ يَقَعُ بِك رُعَافٌ شَدِيدٌ فَجَرَى كَذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُ رَأَيْت كُلّابًا مُعَلّقًا فِي شَفَتَيْ قُلْت: يَقَعُ بِك أَلَمٌ يَحْتَاجُ إلَى الْفَصْدِ فِي شَفَتِك فَجَرَى كَذَلِكَ. وَقَالَ لِي آخَرُ رَأَيْت فِي يَدِي سِوَارًا وَالنّاسُ يُبْصِرُونَهُ فَقُلْتُ لَهُ سُوءٌ يُبْصِرُهُ النّاسُ فِي يَدِك فَعَنْ قَلِيلٍ طَلَعَ فِي يَدِهِ طُلُوعٌ. وَرَأَى ذَلِكَ آخَرُ لَمْ يَكُنْ يُبْصِرُهُ النّاسُ فَقُلْت لَهُ تَتَزَوّجُ امْرَأَةً حَسَنَةً وَتَكُونُ رَقِيقَةً. قُلْتُ عَبّرَ لَهُ السّوَارَ بِالْمَرْأَةِ لِمَا أَخْفَاهُ وَسَتَرَهُ عَنْ النّاسِ وَوَصَفَهَا بِالْحُسْنِ لِحُسْنِ مَنْظَرِ الذّهَبِ وَبَهْجَتِهِ وَبِالرّقّةِ لِشَكْلِ السّوَارِ. وَالْحِلْيَةُ لِلرّجُلِ تَنْصَرِفُ عَلَى وُجُوهٍ. فَرُبّمَا دَلّتْ عَلَى تَزْوِيجِ الْعُزّابِ لِكَوْنِهَا مِنْ آلَاتِ التّزْوِيجِ وَرُبّمَا دَلّتْ عَلَى الْإِمَاءِ وَالسّرَارِيّ وَعَلَى الْغِنَاءِ وَعَلَى الْبَنَاتِ وَعَلَى الْخَدَمِ وَعَلَى الْجَهَازِ وَذَلِكَ بِحَسَبِ حَالِ الرّائِي وَمَا يَلِيقُ بِهِ. قَالَ أَبُو الْعَبّاسِ الْعَابِرُ وَقَالَ لِي رَجُلٌ رَأَيْت كَأَنّ فِي يَدِي سُوَارًا مَنْفُوخًا لَا يَرَاهُ النّاسُ فَقُلْت لَهُ عِنْدَك امْرَأَةٌ بِهَا مَرَضُ الِاسْتِسْقَاءِ فَتَأَمّلْ كَيْفَ عَبّرَ لَهُ حَكَمَ عَلَيْهَا بِالْمَرَضِ لِصُفْرَةِ السّوَارِ وَأَنّهُ مَرَضُ الِاسْتِسْقَاءِ الّذِي يَنْتَفِخُ مَعَهُ الْبَطْنُ.